سورة الأعلى - تفسير تفسير الزمخشري

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الأعلى)


        


{سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى (1) الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى (2) وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى (3) وَالَّذِي أَخْرَجَ الْمَرْعَى (4) فَجَعَلَهُ غُثَاءً أَحْوَى (5)}
تسبيح اسمه عز وعلا: تنزيهه عما لا يصح فيه من المعاني التي هي إلحاد في أسمائه، كالجبر والتشبيه ونحو ذلك، مثل أن يفسر الأعلى بمعنى العلو الذي هو القهر والاقتدار، لا بمعنى العلوّ في المكان والاستواء على العرش حقيقة؛ وأن يصان عن الابتذال والذكر، لا على وجه الخشوع والتعظيم. ويجوز أن يكون {الأعلى} صفة للرب، والاسم؛ وقرأ علي رضي الله عنه: سبحان ربي الأعلى. وفي الحديث: لما نزلت: فسبح باسم ربك العظيم، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اجعلوها في ركوعكم» فلما نزل سبح اسم ربك الأعلى قال: «اجعلوها في سجودكم» وكانوا يقولون في الركوع: اللهم لك ركعت، وفي السجود: اللهم لك سجدت {خَلَقَ فسوى} أي خلق كل شيء فسوّى خلقه تسوية، ولم يأت به متفاوتا غير ملتئم، ولكن على إحكام واتساق، ودلالة على أنه صادر عن عالم، وأنه صنعة حكيم {قَدَّرَ فهدى} قدّر لكل حيوان ما يصلحه، فهداه إليه وعرفه وجه الانتفاع به يحكى أنّ الأفعى إذا أتت عليها ألف سنة عميت، وقد ألهمها الله أنّ مسح العين بورق الرازيانج الغض يرد إليها بصرها، فربما كانت في برية بينها وبين الريف مسيرة أيام فتطوى تلك المسافة على طولها وعلى عماها حتى تهجم في بعض البساتين على شجرة الرازيانج لا تخطئها، فتحك بها عينيها وترجع باصرة بإذن الله وهدايات الله للإنسان إلى ما لا يحدّ من مصالحه وما لا يحصر من حوائجه في أغذيته وأدويته، وفي أبواب دنياه ودينه، وإلهامات البهائم والطيور وهوام الأرض: باب واسع، وشوط بطين، لا يحيط به وصف واصف؛ فسبحان ربي الأعلى. وقرئ: {قدر} بالتخفيف {أحوى} صفة لغثاء، أي {أَخْرَجَ المرعى} أنبته {فَجَعَلَهُ} بعد خضرته ورفيفه {غُثَاءً أحوى} دربنا أسود. ويجوز أن يكون {أحوى} حالا من المرعى، أي: أخرجه أحوى أسود من شدّة الخضرة والري، فجعله غثاء بعد حوّيه.


{سَنُقْرِئُكَ فَلَا تَنْسَى (6) إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ وَمَا يَخْفَى (7)}
بشره الله بإعطاء آية بينة، وهي: أن يقرأ عليه جبريل ما يقرأ عليه من الوحي وهو أمي لا يكتب ولا يقرأ، فيحفظه ولا ينساه {إِلاَّ مَا شَاءَ الله} فذهب به عن حفظه برفع حكمه وتلاوته، كقوله: {أَوْ نُنسِهَا} [البقرة: 106] وقيل: كان يعجل بالقراءة إذا لقنه جبريل، فقيل: لا تعجل، فإنّ جبريل مأمور بأن يقرأه عليك قراءة مكررة إلى أن تحفظه؛ ثم لا تنساه إلا ما شاء الله، ثم تذكره بعد النسيان. أو قال: إلا ما شاء الله، يعني: القلة والندرة، كما روي (أنه أسقط آية في قراءته في الصلاة، فحسب أبي أنها نسخت، فسأله فقال: نسيتها) أو قال: إلا ما شاء الله: والغرض نفى النسيان رأساً كما يقول الرجل لصاحبه أنت سهيمي فيما أملك إلا فيما شاء الله ولا يقصد استثناء شيء وهو استعمال القلة في معنى النفي.
وقيل قوله: {فَلاَ تنسى} على النهي، والألف مزيدة للفاصلة، كقوله: {السبيلا} [الأحزاب: 67]، يعني: فلا تغفل قراءته وتكريره فتنساه، إلا ما شاء الله أن ينسيكه برفع تلاوته للمصلحة {إِنَّهُ يَعْلَمُ الجهر} يعني أنك تجهر بالقراءة مع قراءة جبريل عليه السلام مخافة التفلت، والله يعلم جهرك معه وما في نفسك مما يدعوك إلى الجهر، فلا تفعل، فأنا أكفيك ما تخافه. أو يعلم ما أسررتم وما أعلنتم من أقوالكم وأفعالكم، وما ظهر وبطن من أحوالكم، وما هو مصلحة لكم في دينكم ومفسدة فيه، فينسى من الوحي ما يشاء؛ ويترك محفوظاً ما يشاء.


{وَنُيَسِّرُكَ لِلْيُسْرَى (8) فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرَى (9) سَيَذَّكَّرُ مَنْ يَخْشَى (10) وَيَتَجَنَّبُهَا الْأَشْقَى (11) الَّذِي يَصْلَى النَّارَ الْكُبْرَى (12) ثُمَّ لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيَى (13)}
{وَنُيَسِّرُكَ لليسرى (8)} معطوف على {سَنُقْرِئُكَ} وقوله: {إِنَّهُ يَعْلَمُ الجهر وَمَا يخفى} اعتراض ومعناه: ونوفقك للطريقة التي هي أيسر وأسهل، يعني: حفظ الوحي.
وقيل للشريعة السمحة التي هي أيسر الشرائع وأسهلها مأخذاً. وقيل: نوفقك لعمل الجنة.
فإن قلت: كان الرسول صلى الله عليه وسلم مأموراً بالذكرى نفعت أو لم تنفع، فما معنى اشتراط النفع؟ قلت: هو على وجهين، أحدهما: أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قد استفرغ مجهوده في تذكيرهم، وما كانوا يزيدون على زيادة الذكرى إلا عتوّاً وطغياناً، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يتلظى حسرة وتلهفاً ويزداد جداً في تذكيرهم وحرصاً عليه، فقيل له: {وَمَا أَنتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ فَذَكّرْ بالقرءان مَن يَخَافُ وَعِيدِ} [ق: 45]، {فاصفح عَنْهُمْ وَقُلْ سلام} [الزخرف: 89]، {فَذَكّرْ إِن نَّفَعَتِ الذكرى (9)} وذلك بعد إلزام الحجة بتكرير التذكير.
والثاني: أن يكون ظاهره شرطاً، ومعناه ذمّا للمذكرين، وإخباراً عن حالهم، واستبعاداً لتأثير الذكرى فيهم، وتسجيلاً عليهم بالطبع على قلوبهم، كما تقول للواعظ: عظ المكاسين إن سمعوا منك. قاصداً بهذا الشرط استبعاد ذلك، وأنه لن يكون {سَيَذَّكَّرُ} فيقبل التذكرة وينتفع بها {مَن يخشى} الله وسوء العاقبة، فينظر ويفكر حتى يقوده النظر إلى اتباع الحق: فأمّا هؤلاء فغير خاشين ولا ناظرين، فلا تأمل أن يقبلوا منك {وَيَتَجَنَّبُهَا} ويتجنب الذكرى ويتحاماها {الأشقى} الكافر؛ لأنه أشقى من الفاسق. أو الذي هو أشقى الكفرة لتوغله في عداوة رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقيل: نزلت في الوليد بن المغيرة وعتبة بن ربيعة {النار الكبرى} السفلى من أطباق النار وقيل {الكبرى} نار جهنم. والصغرى نار الدنيا وقيل {ثُمَّ} لأنّ الترجح بين الحياة والموت أفظع من الصلي، فهو متراخ عنه في مراتب الشدّة والمعنى: لا يموت فيستريح، ولا يحيى حياة تنفعه.

1 | 2